إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
شرح كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد
25370 مشاهدة
تعقيب ابن عبد الوهاب على كلام ابن تيمية في تكفر المعين

يقول: تأمل كلامه رحمه الله في تكفير المعين؛ يعني أن الذين قتلوا في حرب الردة من الكفار أمرهم أن يشهدوا بأنهم من أهل النار، الشهادة عليهم إذا قتلوا بالنار وأنه يجوز سبي نسائهم وأولادهم؛ لأجل تظاهرهم بمنع الزكاة.
يذكر أن بعض أعداء الدين يقولون: إن شيخ الإسلام لا يكفر المعين؛ هاهو قد ذكر أن الصحابة قالوا: اشهدوا على قتلاكم أنهم في النار، هذا الذي سينسب عنه أعداء الدين عدم تكفير المعين؛ أعداء الدين يعني أعداء التوحيد في زمن ابن عبد الوهاب يعني ينسب عنه أعداء الدين ينسبون عن شيخ الإسلام عدم تكفير المعين.
يقول -رحمه الله- بعد ذلك: وكفر هؤلاء؛ يعني مانع الزكاة وإدخالهم في أهل الردة قد ثبت باتفاق الصحابة المستند إلى نصوص الكتاب والسنة؛ يعني كفر مانعي الزكاة وإدخالهم في أهل الردة اتفق عليه الصحابة، ودلت عليه نصوص الكتاب والسنة.
ثم يقول -رحمه الله- ومن أعظم ما يحل الإشكال في مسألة التكفير والقتال عمن قصد اتباع الحق إجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة، وإدخالهم في أهل الردة، وسبي ذراريهم، وفعلهم فيهم ما صح عنه، فهذا يحل الإشكال في قتال المشركين في زمان المؤلف، وخصوصا الذين يسبون الموحدين، ويسبون الدين، ويذكرون منعهم لأهل الدين، أو منعهم لمن يقول لا إله إلا الله من القرار.
فالصحابة أجمعوا على قتال مانعي الزكاة، وأدخلوهم في أهل الردة، وسبوا ذراريهم وفعلوا معهم ما صح عنهم، وهذا أول قتال وقع في الإسلام بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أول ما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- ارتد من حول المدينة من الأعراب وانقسموا ثلاث فرق: شيء منهم من صدق المتنبئين كمسيلمة والأسود العنسي وسجاح امرأة تنبأت وطليحة الأسدي هؤلاء لا شك أنهم صدقوا المتنبئين؛ والمتنبئون كذبة.
الفرقة الثانية: عادوا إلى عبادة الأصنام؛ يعني قالوا: إن آباءنا على خير، سنرجع إلى ما كان عليه آباؤنا.
القسم الثالث: بقوا على التوحيد، والشهادة أن محمدا رسول الله ولكن منعوا الزكاة.
الجميع قاتلهم الصحابة واعتبروا أنهم جميعا مرتدون، ولما ارتد من حول المدينة فأول من قاتلهم قوم من الأعراب الذين حول المدينة تجمعوا، وقالوا: هلم فلنغنم المدينة هلم فلنقاتل أهل المدينة ونستولي عليها، ما بقي فيها إلا قلة قليلة من هؤلاء الذين يقولون إن محمدا رسول الله، فجمعوا جموعا كثيرة، وأغاروا على المدينة .
وكان أبو بكر -رضي الله عنه- قد رتب الأمور، وقد استعد للقتال، فلما جاء أولئك وأغاروا على المدينة تصدى لهم الصحابة مع قلتهم؛ كان قد بعث جيشا إلى الشام بقيادة أسامة وهم الجيش الذين جهزهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أغار هؤلاء على المدينة فثبت لهم أبو بكر ومن معه، وانتصروا نصرا مؤزرا، فكان هذا أول نصر.
ولما رجع الجيش الذين بعثهم مع أسامة عند ذلك أرسلهم إلى المرتدين من مانعيّ الزكاة بقيادة خالد بن الوليد -رضي الله عنه- توجهوا إلى الكفار الذين في حدود جبل طيء وكان معهم عدي بن حاتم وكان عند وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان بالمدينة فبايع أبا بكر ولما أقبلوا على طيء قال لهم لخالد ذروني أذهب إلى طيء وأدعوهم ولا تقاتلوهم؛ خشي على قومه من قتالهم، فتركوه وذهب إليهم وأخبرهم ببيعة أبي بكر وكان سيدا مطاعا فيهم فقالوا: نصدق بولاية أبي بكر ونبايع له؛ فانضم منهم نحو ألف مقاتل، فلا شك أن هذا من أسباب نصر الإسلام.
يقول: هذه أول وقعة وقعت في الإسلام على هذا النوع؛ أعني المدعين للإسلام، وهي أوضح الواقعات التي وقعت من العلماء عليهم من عصر الصحابة إلى وقتنا هذا.
نقف بعد ذلك على كلام ابن عقيل والله أعلم.